الـفـرق بـين التـفســيـر والـتــدبـــر*
هل هنــــــــــــاك فرق بين التفسير والتدبر أم أنهم أسمين لعلم واحد
ولماذا هناك من يرفض التدبر ويعتقد أنه من باب الكلام على الله بغير علم
هل هذا للجهل بتعريف التدبر أم للفهم الخاطئ لعلم التدبر
للإجابة على هذه الأسئلة جميعها
إليكم هذه المقارنة بين علم التفسير وعلم التدبر
وسيظهر جلياً من ذكر الآيات الواردة في كتاب الله
أن الغاية العظمى من إنزال القرآن هي تدبره وفهمه والعمل بمقتضاه
والوقوف عند أوامره ومراضيه والبعد عن مسا خطه ونواهيه*
فالتدبر هو التأمل في كتاب الله وإعمال القلب والعقل في فهم كلام رب العالمين
الذي قال عنه من أنزله((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر))
*ولنعلم أن التدبر مرحلة يجب أن تسبق مرحلة التفسير لكتاب الله.*
*وعلم التفسير : هو الكشف والإيضاح والبيان لما تدل عليه ألفاظ القرآن
*وهناك من عرف التفسير :بأنه هو البيان ولو من وجه.
*فأتمنى أن تيسر هذه المقارنة التفريق بين علم التفسير وعلم التدبر*
التــــــدبر
التــــفســـير
التدبر في اللغة: التأمل.
اصطلاحاً :إعمال العقل والقلب"العقل والحس" لفهم الآيات القرآنية.
وهو المعنى العام للآية التي يستشعر منها المرء عظمة مولاه والتي يفهمها الإنسان عند إطلاق اللفظ الكريم .[1]
قال العلامة الشيخ محمد عبده ما خلاصته:
للتفسير مراتب أدناها أن يبين بالإجمال ما يُشرب
القلب عظمة الله وتنزيهه ويصرف النفس عن الشر ويجذبها إلى الخير وهذه متيسرة لكل أحد.
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ القمر: ١٧
ومن الآيات التي تدعو إلى التدبر في القرآن
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ محمد: ٢٤
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ النساء: ٨٢
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ص: ٢٩
بالتأمل في هذه الآيات يتضح أن الغاية العظمى من نزول القرآن هي تدبره وربط القلب به.
قال ابن تيمية: قد علم أنه من قرأ كتاباً في الطب أو غيرهما فإنه لابد أن يكون راغـباً في فهمه وتـصور معانيه ،فـكـيف بـمن يـقرأ كـتاب الله تعالى- الذي به هداه،و به يعرف الحق والباطل ،والخير والشر-؟ فإن مـعرفة الـحروف بـدون المعاني لا يحصل معها المقصود، إذ اللفـظ إنـما يـراد للمـعنى.
قـال ابن باز :من مفاتيح التدبر الـتأني في الـقراءة :فـقد روى الترمذي وصححه أن أم سلمه نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي قراءة مـفسرة حرفاً حرفا ، وهذا كقول أنس –كما في البخاري-: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مـداً.وقال ابن أبي مليكه:سافرت مع ابن عباس،فكان يقوم نصف الليل،فيقرأ القرآن حرفاً حرفا،ثم يبكي حتى تسمع نشيجاً.
"عليك بتدبر القرآن حتى تعرف المعنى’تدبره من أوله إلى آخره،واقرأه بتدبر وتعقل،ورغبة في العمل والفائدة،لا تقرأه بقلب غافل،اقرأه بقلب حاضر،واسأل أهل العلم عما أشكل عليك،مع أن أكثره- بحمد الله- واضـح للعامـة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية(( سبحان الله وهذا ما لمسناه خلال دراستنا في المعهد مع تدبر القرآن قبل حفظه)
وقال ابن القيم:
فتدبر القـرآن إن رمـــــتَ الـهدى
فالـعلـم تـحـت تــدبر الـــقــرآن
وقال ابن تيميه:
من تدبر القرآن طالباً الهدى منه؛تبين له طريق الحق
والقلب هو محل التدبر لكلام الله وهو الأساس في الفهم،فإذا تم الفهم تم العمل بتعاليم القرآن والاهتداء بهديه،فبالقرآن تصفو الأرواح وتتطهر النفوس لأن الروح الإنساني هو أقوى شيء في هذا الوجود ،فمتى صفى وتهذب وحسُن توجيهه وتأدب أتى بالعجب العُجاب.
ففي جميع هذه الآيات حث الله تعالى على تدبر القرآن والاعتبار بآياته والاتعاظ بمواعظه إذ التدبر والاتعاظ فرع الفهم والتفقه في كتاب الله .
وفى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس(اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)
فلو كان التأويل مقصورا على السماع والنقل للفظ التنزيل لما كان هناك فائدة لمتخصصيه ،فهناك مرحلة تسبق التأويل وهي التأمل في كلام رب العالمين والتأمل لما في بعض الآيات من حذف وتقديم وتأخير والتأمل في الحكمة من ذلك.
*الناظر في القرآن لطلب التدبر والفهم:
لا يحتاج إلا لإفراغ القلب من الشواغل الدنيوية وإخلاص النية والدعاء بأن يفتح الله عليه وييسر عليه فهم القرآن وحسن تدبره،والتأمل بقراءة متأنية وبترتيل ،والنظر في المعنى العام للكلمة القرآنية داخل سياق الآية ثم التأمل في الآية داخل السياق وربطها بما قبلها وبما بعدها والتأمل في بداية السورة وخاتمتها وربطها باسم السورة وهذا لا يؤتي ثماره من أول مرة بل يحتاج إلى الصبر وكثرة المران والمداومة على التأمل في كتاب الله بالقلب والعقل ،وإذا خفي عليه شيء من المعنى الخاص للكلمة يرجع إلى كتب التفاسير والمعاني لزيادة الفهم
*وبهذه الطريقة يخرج لنا متأمل متدبر يفهم كلام ربه بقلبه وعقله وبكثرة الإطلاع أيضا على أقوال المفسرين والوقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف،
فيخرج لنا متدبر مُفسر يجعل هدفه الأعلى تجلية هدايات القرآن وتعاليم القرآن وحكمة اله فيما شرع للناس في هذا القرآن على وجه يجتذب الأرواح ويفتح القلوب ويدفع النفوس إلى الاهتداء بهدي الله.
التفسير فى اللغة :الإيضاح والتبيين
اصطلاحا:علم يبحث فيه عن القرآن من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.[2]
وعرفواعلم التفسير أيضا بأنه:
علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز من جهة نزوله وسنده وأدائه وألفاظه ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام .[3]
وُسميَ علم التفسير لما فيه من الكشف والتبيين.
والدليل من الكتاب:
ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ الفرقان: ٣٣
تفسيرا: أصدق بيانا وتفصيلا.
ويهتم التفسير بالمعنى الخاص للكلمة أو الآية القرآنية.والبحث في أسباب النزول والتفسير المأثور وبيان القوي من الضعيف والبحث في مفردات القرآن بحثا لغويا وبيان ما أُشكِل فهمه.
أنواع التفســـيــر:
1-تفسير القرآن بالقرآن
فما أجمل من أن يفسر القرآن بالقرآن (فقد جاء القرآن ليصدق بعضه بعضاً وليس العكس).
2-تفسير القرآن بالسنة الصحيحة نقلاً صحيحاً
ذلك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم(فهو أصدق من يتحدث عن ربه،فإنه لا ينطق عن الهوى) فالنفس إليه أسكن(وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس ما نزل إليهم)النحل44،
3-الأخذ بقول الصحابة ،فقد قيل إنه في حكم المرفوع مطلقاً(بشرط صحة الإسناد)[4]
* ولا ننسى أن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب فكانوا يعلمون ظواهره وإحكامه،أما في زمننا هذا بعد أن فسدت ملكة البيان العربي وضاعت خصائص العروبة وصارت هناك لهجات دخيلة على اللغة العربية ،ظهرت الحاجة للبحث في معاني كلمات القرآن.
للناظـر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أهمها:
1-النقل عن رسول الله مـع التحرز عن الضعيف والموضوع.
2-الأخذ بـقول الصحابة ،فقد قيل إنه في حكم المرفوع مطلقاً،وخصه بعضهم بأسباب النزول ونحوها مما لا مجال للرأي فيه[5]
3-الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات الأ مـا لا يدل عليه الكثير من كلام العرب.
4-الأخذ بما يقتضيه الكلام ويدل عليه قانون الشرع.
وهذا النوع الرابع هو الذي دعا به النبي-صلى الله عليه وسلم- لابن عباس في قوله:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"[6]* وينبغي أن يعلم أن في القرآن علوماً تتنوع إلى ثلاثة :
الأول: علم لم يطلع عليه أحد من خلقه بل استأثر به وحده كمعرفة حقيقة ذاته وصفاته وغيوبه التي لا يعلمها إلا هو. وهذا النوع لا يجوز الكلام فيه لأحد إجماعاً.
الثاني: ما أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم واختصّ به.وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا لـه عليه الصلاة والسلام ولمن أذن له الرسول،قيل :ومنه أوائل السور.
الثالث: العلوم التي علمها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مما أُمر بتبليغه.وهذا النوع قسمان:
*قسم لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع كالكلام عن الناسخ والمنسوخ والقراءات، وقصص الأمم الماضية،وأسباب النزول،وأخبار الحشر والنشر والميعاد**وقسم يعرف بطريق النظر والاستدلال لمن له أهلية الاجتهاد.[7]
العلوم التي يحتاجها المُفــسر:
هي اللغة والنحو،والصرف،وعلوم البلاغة،وعلم أُصول الفقه،وعلم التوحيد ومعرفة أسباب النزول،والقصص،والناسخ والمنسوخ،والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم،وهذا لتحقيق أعلى مراتب التفسير ،والعلم بسيرة النبي –صلى الله عليه وسلم – وأصحابه
*وما كان عليه بعض السلف من التحرج عن القول في القرآن بآرائهم يحتمل أن يكون بما كان من التفسير على وجه قاطع فيما لم يقم فيه دليل قاطع
أو أن إحجامهم يحتمل أنه مقيد بما لم يعرفوا وجه الصواب فيه.
والدليل ما ورد عن الصديق –رضي الله عنه- أنه قال:"أيُّ سماء تظلني وأيُّ أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأيي أو بما لا أعلمُ"[8].
ومع ذلك هذا سيدنا أبو بكر نفسه يفتي في الكلالة حين سئل عنها في الآية الكريمة،(( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة))النساء176
ويقول أقول فيها برأيي.فإن كان صواباً فمن الله.وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان .الكلالة:كذا وكذا[9]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مناهل العرفان في علوم القرآن "الجزء الثاني"
[2] انظر التفسير والمفسرون0(1/31)
[3] مناهل العرفان(الجزء الثاني)
[4] انظر فصل "التفسير بالمأثور"
[5] انظر فصل"التفسير بالمأثور "من هذا الجزء
[6] أخرجه البخاري ومسلم
[7] مناهل العرفان الجزء الثاني ص56،57"
[8] انظر ابن جرير"(1/35)
[9] انظر "الدر المنثور "(2/250)