الذكر آية ربك الكبرى التي *** فيها لباقي المعجزات هناءِ
جاء النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بحكيم غير منصرمِ
آياته كلما طال المدى جدد *** يزينهن جلال العتق والقدمِ
طرائق التقديم والتأخير في كلام الله عز وجل
التقديم والتأخير يأخذ طرائق متعددة في كلام الله جل وعلا لكني سأشرع في بيان مجملها
(1) أحياناً يكون التقديم فيه نوع من التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذا يكون في التقديم لخطاب الله وحده جل وعلا بعلم الغيب . فالله أذن لنبيه أن يتوجه إلى بيت المقدس أيام كان في مكة ثم لما هاجر إلى المدينة مكث فيها ستة عشر شهراً قبل أن تنزل الآية الناسخة لتولية المسلمين وجوههم حال الصلاة إلى بيت المقدس حيث نزل قبلها قول الله جل وعلا : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة:142) هذا تقديم (تقديم بمعنى توطئة لأمر سيقع وردة
في فعل الناس تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها ـ قال الله بعد هذه الآية ـ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } (البقرة:144) فقول الله (تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) ناسخ لتولية المسلمين وجوههم نحو بيت المقدس ، فالتقديم هنا للتسلية.
هذا التقديم فيه حكم : جاءت الآيات تحمل في طياتها حكماً وليست أسماء أو صفات في آية مصفوفة هذا نطاق ضيق نتعرض له لكنه في نطاق ضيق أحياناً لا.
المسلمون كانت بدر أول معركة خاضوها لم يكن لهم عهد في تقسيم الغنائم فلما حازوا الغنائم اختلفوا فيها كأنه حصل شيء من النزاع الخفيف فأخذوا يتساءلون فذهبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه ، فقال الله جل وعلا : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الأنفال } (الأنفال: من الآية1) لكن الجواب هنا تأخر ، ما الذي قد م؟
قدم ما لم يٌعنى المسلمون به آنذاك وهو قضية إصلاح ذات البين فأنزل الله (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}الأنفال1) ثم بعد ذلك قال الله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } (الأنفال: من الآية41) .
ثم جاءت بعد ذلك قضية كيفية تصريف الأنفال هذا نوع من التقديم والتأخير.
(2) أحياناً يكون فى العامل والمعمول :
ذكر الله جل وعلا على لسان آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون أنها قالت : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ } (التحريم: من الآية11) ، وقد نبهنا إلى هذا في حلقات سلفت وأيام خلت.
{
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ } الترتيب النحوي يقول :رب ابن لي بيتاً عندك، فقدم الجار والمجرور على المفعول به على خلاف التركيب لغرض وهى أنها اختارت جوار الله قبل أن تختار الدار ، وقد بين في أكثر من موضع أن هذا من دلالة شوقها إلى ربها جل وعلا وأدبها في مخاطبة الرب تبارك وتعالى .
(3) أحياناً يأتي الترتيب ظاهراً بيناًً :
يقول الله جل وعلا : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } (النساء: من الآية13) فتقديم الله على رسوله أمر واضح .. يعنى الفرق كبير.
أحياناً يكون مسألة تعبدية تسن تشرع :
يقول الله جل وعلا : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } (البقرة: من الآية158) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - رقى الصفا وقال : (أبدأ بما بدأ الله به (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)
الخلاصة : من هنا نفهم أن التقديم والتأخير في كلام الله جل وعلا لابد له من حكمة من علة قد نفقهها وقد لا نفقهها ، لكن العلة والحكمة باقية قائمة وإنما الأفهام تختلف هذا مضمار تجرى فيه أقدام العلماء ما بين مصيب أكثر وبين مقل وهذا هو العلم الحق.
هذا نوع من التمهيد والتوطئة لحلقة هذا اليوم (التقديم والتأخير في كلام العلى الكبير جل جلاله).
يرنامج قطوف دانية